يقول الحق تبارك وتعالى : (ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [سورة: فاطر - الأية: 32] ثم أعطينا – بعد هلاك الأمم – القرآن من اخترناهم من أمة محمد " صلى الله عليه وسلم " فمنهم ظالم لنفسه يفعل بعض المعاصى ، ومنهم مقتصد ، وهو المؤدى للواجبات المجتنب للمحرمات ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، أى مسارع مجتهد فى الأعمال الصالحة ، فرضها ونقلها ، ذلك الإعطاء للكتاب وأصطفاء هذه الأمة هو الفضل الكبير .
أى أن امة سيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم " على أقسام ثلاث - فمنهم ظالم لنفسه أى لا يصلى .
- مقتصد أى لا يؤدى الأشياء الأساسية فى الإسلام فقط .
- ومنهم سابق للخيرات أن يتاجر مع الله تعالى وعرف أن له مقعداً فى الجنة فيرسل له الأعمال التى يؤديها فى هذه الدنيا .
السابق بالخيرات يتشيه بسيدنا أبى بكر وسيدنا عمر ويقتدى برسول الله " صلى الله عليه وسلم " الجديد هنا أن هذه الأنواع الثلاثة من أمة الحبيب " صلى الله عليه وسلم " جميعها مرحومة لأجله " صلى الله عليه وسلم " والآية موضحة لهذه المعانى : قال تعالى: (ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) [سورة: فاطر -
الأية: 32]رغم أنه ظالم لنفسه ورغم هذا فإنه تاب وعندما صار من أهل الاصطفاء .
لمن يشفع رسول الله " صلى الله عليه وسلم " ؟ هل يشفع للنوع الأول ، أو للثانى ، أو للثالث ؟ فقال أبن عباس رضى الله تعالى عنهما : إن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " يشفع للنوع الأول الظالم لنفسه ، هذا تجب له شفاعة رسول الله " صلى الله عليه وسلم " لماذا ؟ لأمه يحتاج إلى درجات رأفة ومساعدة ورخصة .
أما المقتصد فإنه يحاسب حساباً يسيراً الذى يحاول أن يرضى الله قدر الإمكان مقتصد أى مجتهد فى العبادة والطاعة ، ويتمنى أن يزكى وأن ينجح ويتمنى كل شئ لكن ظروفه لا تسمح بذلك فيؤدى اليسير من العمل مع الإخلاص فقيل عن أصحاب رسول الله " صلى الله عليه وسلم " كانوا يعملون قليلاً ويؤجرون كثيراً .
أما السابقون بالخيرات والمتاجرون مع الله تعالى على شاكلة النبى " صلى الله عليه وسلم " فهؤلاء هم أهل الفضل وما أدراك ما أهل الفضل ! إنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عقاب كقوله تعالى : (مَنْ عَمِـلَ سَـيّئَةً فَلاَ يُجْزَىَ إِلاّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [سورة: غافر - الأية: 40] من عصى الله فى حياته وانحرف عن طريق الهدى ، فلا يجزى فى الأخرة إلا عقاباً يساوى معصيته ، ومن أطاع الله وعمل صالحاً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ذكراً كان أو أنثى ، وهو مؤمن بالله موحد له ، فألئك يدخلون الجنة ، يرزقهم الله فيها من ثمارها ونعيمها ولذاتها بغير حساب .
هؤلاء الثلاثة مرحومون ، لماذا ؟ لأنهم من أمة سيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم " والذى أوصلهم للجنة هو أنهم كانوا من الذاكرين والله يعلم ما تصنعون كقوله تعالى : (فَاذْكُرُونِيَ أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [سورة: البقرة - الأية: 152]أمر تعالى المؤمنين بذكره ، ووعدهم أفضل الجزاء ، وهو الثناء فى الملأ الأعلى على من ذكره ، وخصونى – أيها المؤمنون – بالشكر قولاً وعملاً ولا تجحدوا نعمى عليكم